responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 160
وَالسَّلَامُ بِمَا يُغَيِّرُ لَوْنَهُ، فَأَنْكَرَ عُمَرُ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «دَعْهَا فَإِنَّهَا أَوَّاهَةٌ» قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْأَوَّاهَةُ؟ قَالَ: «الدَّاعِيَةُ الْخَاشِعَةُ الْمُتَضَرِّعَةُ»
وَقِيلَ: مَعْنَى كَوْنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوَّاهًا، كُلَّمَا ذَكَرَ لِنَفْسِهِ تَقْصِيرًا أَوْ ذُكِرَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ شَدَائِدِ الْآخِرَةِ كَانَ يَتَأَوَّهُ إِشْفَاقًا مِنْ ذَلِكَ وَاسْتِعْظَامًا لَهُ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: الْأَوَّاهُ، الْمُؤْمِنُ بِالْخَشْيَةِ. وَأَمَّا وَصْفُهُ بِأَنَّهُ حَلِيمٌ فَهُوَ مَعْلُومٌ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا وَصَفَهُ بِهَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ فِي هَذَا الْمَقَامِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَهُ بِشِدَّةِ الرقة والشفقة والخوف والوجل، ومن كَذَلِكَ فَإِنَّهُ تَعْظُمُ رِقَّتُهُ عَلَى أَبِيهِ وَأَوْلَادِهِ، فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ مَعَ هَذِهِ الْعَادَةِ تَبَرَّأَ مِنْ أَبِيهِ وَغَلُظَ قَلْبُهُ عَلَيْهِ، لَمَّا ظَهَرَ لَهُ إِصْرَارُهُ عَلَى الْكُفْرِ، فَأَنْتُمْ بِهَذَا الْمَعْنَى أَوْلَى، وَكَذَلِكَ وَصَفَهُ أَيْضًا بِأَنَّهُ حَلِيمٌ، لِأَنَّ أَحَدَ أَسْبَابِ الْحِلْمِ رِقَّةُ الْقَلْبِ، وَشِدَّةُ الْعَطْفِ لِأَنَّ الْمَرْءَ إِذَا كَانَ حَالُهُ هَكَذَا اشْتَدَّ حلمه عند الغضب.

[سورة التوبة (9) : الآيات 115 الى 116]
وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115) إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (116)
[في قوله تعالى ما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ] فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا مَنَعَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ، وَالْمُسْلِمُونَ كَانُوا قَدْ اسْتَغْفَرُوا لِلْمُشْرِكِينَ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَإِنَّهُمْ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ كَانُوا يَسْتَغْفِرُونَ لِآبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ وَسَائِرِ أَقْرِبَائِهِمْ مِمَّنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ خَافُوا بِسَبَبِ مَا صَدَرَ عَنْهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ لِلْمُشْرِكِينَ. وَأَيْضًا فَإِنَّ أَقْوَامًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ اسْتَغْفَرُوا لِلْمُشْرِكِينَ، كَانُوا قَدْ مَاتُوا قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَوَقَعَ الْخَوْفُ عَلَيْهِمْ فِي قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ كَيْفَ يَكُونُ حَالُهُمْ، فَأَزَالُ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ الْخَوْفَ عَنْهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ تَعَالَى لَا يُؤَاخِذُهُمْ بِعَمَلٍ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُمْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَّقُوهُ وَيَحْتَرِزُوا عَنْهُ. فَهَذَا وَجْهٌ حَسَنٌ فِي النَّظْمِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ إِنَّ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ فِي بَيَانِ الْمَنْعِ مِنْ مُخَالَطَةِ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ، وَوُجُوبِ مُبَايِنَتِهِمْ، وَالِاحْتِرَازِ عَنْ مُوَالَاتِهِمْ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: إِنَّ الْإِلَهَ الرَّحِيمَ الْكَرِيمَ كَيْفَ يَلِيقُ بِهِ هَذَا التَّشْدِيدُ الشَّدِيدُ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ؟ فَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يُؤَاخِذُ أَقْوَامًا بِالْعُقُوبَةِ بَعْدَ إِذْ دَعَاهُمْ إِلَى الرُّشْدِ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَّقُوهُ، فَأَمَّا بَعْدَ أَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَأَزَاحَ الْعُذْرَ وَأَزَالَ الْعِلَّةَ فَلَهُ أَنْ يُؤَاخِذَهُمْ بِأَشَدِّ أَنْوَاعِ الْمُؤَاخَذَةِ وَالْعُقُوبَةِ. وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لِيُضِلَّ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ أَضَلَّهُ عَنْ طَرِيقِ الْجَنَّةِ، أَيْ صَرَفَهَ عَنْهُ وَمَنَعَهُ مِنَ التَّوَجُّهِ إِلَيْهِ. وَالثَّانِي: قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْإِضْلَالِ الْحُكْمُ عَلَيْهِمْ بِالضَّلَالِ.
وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ الْكُمَيْتِ:
وَطَائِفَةٌ قَدْ أَكْفَرُونِي بِحُبِّكُمْ
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَنْبَارِيُّ: هَذَا التَّأْوِيلُ فَاسِدٌ، لِأَنَّ الْعَرَبَ إِذَا أَرَادُوا ذَلِكَ الْمَعْنَى قَالُوا: ضَلَّلَ يُضْلِلُ، وَاحْتِجَاجُهُمْ بِبَيْتِ الْكُمَيْتِ بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِنَا أَكْفَرَ فِي الْحُكْمِ صِحَّةُ قَوْلِنَا أَضَلَّ. / وليس كل موضع

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 160
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست